قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام
سيدنا ابراهيم عليه السلام
إبراهيم هو خليل الله الذي اختاره للرسالة، وبعثه هداية للناس ودعوتهم للإيمان بالله، وترك عبادة الأصنام، وتعتبر قصة سيدنا إبراهيم من القصص القرآنية المليئة بالمواعظ.
إبراهيم جعله الله من أولي العزم، وهم سيدنا نوح، وسيدنا موسى، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا عيسى، وسيدنا محمد، كما وهب الله سبحانه وتعالى لإبراهيم النبوة في ذريته، فجاءت الأنبياء والرسل من نسله.
إبراهيم خليل الرحمن وجاء معنى الخلة من المحبة، أي أن الله اصطفاه من بين جميع العباد ليكون حبيب الله، أي منزلة وأي مكانة كالتي وصل إليها إبراهيم عند ربه ليتخذه خليلا !! إنه النبي الذي قال فورًا أسلمت لرب العالمين، حين أمره الله بالإسلام.
نشأة إبراهيم عليه السلام
ولد إبراهيم وسط قومٍ كافرين؛ فمنهم من يعبد الأصنام والحجارة، ومنهم من يعبد الشمس والنجوم، ومنهم من يعبد الحكام.
ليس هذا فحسب، بل كان أبو إبراهيم صانعًا للتماثيل، التي يعبدها قومه، فكان ينحتها ويخرجها لهم؛ وبذلك كانت لأسرة إبراهيم مكانة متميزة جدًا بين قومه.

كبر إبراهيم في وسط تلك الأجواء المفعمة بعبادة آلهة غريبة، تتمثل في مجموعة حجارة لا تعقل، أصبح إبراهيم مشغول البال يفكر كثيرًا، ويستعجب أشد العجب على قومه.
كان يفكر كيف أن أبيه يصنع من الحجارة تمثالًا، ثم يعبده الناس ويعتبرونه إلهًا، رغم أنه مصنوع من الحجارة لا يمتلك عقلًا ولا يتكلم، وليس به أي روح أو حياة.
لابد أن الأمر ليس كذلك، الإله هو من يخلق الناس، وليست الناس هي من تصنع الإله، إذًا هذه الأصنام ليست آلهة إنها لا تنفع ولا تضر، أين الله يا ترى ؟!! هكذا كان يفكر إبراهيم في خلواته مع نفسه.
إبراهيم يبحث عن الله
وذات ليلة كان إبراهيم جالسًا يتفكر ويتساءل من هو الله؟ وأين يوجد؟ وبينما هو على ذلك الحال إذ رأى كوكبًا يلمع في السماء وسط ظلمات الليل، فصاح إبراهيم ها قد وجدت الله، هذا الكوكب اللامع لم يصنعه البشر، كما أنه لا يتحطم كتماثيل الحجارة.
فرح إبراهيم لظنه أنه قد اهتدى للأمر الصواب، وأخذ يصلى لذلك الكوكب طوال الليلة، وأخبر قومه أنه عرف الله، وهو الكوكب اللامع في السماء، ولكن في الصباح الباكر نظر إبراهيم إلى السماء فلم يجد الكوكب.
أدرك إبراهيم أن الكوكب ليس إله؛ فهو يغيب أما الإله لا يغيب أبدًا، (فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ)، لم ييأس إبراهيم واستمر في بحثه عن الله، فلما لمح القمر مكتملًا ينير السماء، قال هذا ربي كيف لم أدركه من قبل؟!.
وخاب أمل إبراهيم عندما استيقظ ووجد القمر غائبًا لا يظهر في السماء، حزن إبراهيم أشد الحزن وقال (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ).
جلس إبراهيم تحت ضوء الشمس، فنظر إليها ورآها كبيرة تنير الكون بأكمله، وتشبه الكرة الضخمة الملتهبة، فصاح إبراهيم ها قد وجدت الله، فهذه الشمس هي إله الكون.

ولكن لم تطل آماله كثيرًا؛ فبعد ساعات مالت الشمس إلى الغروب؛ فأدرك إبراهيم أنها ليست إله الكون كما كان يظن.
أخيرًا أدرك إبراهيم أن الكواكب والقمر والشمس ليسوا آلهة، وأن الله موجود، ولكنه لا يستطيع رؤيته، هو الله خالق الكون بأكمله، بما فيه الشمس والقمر والنجوم والكواكب.
آمن إبراهيم بالله سبحانه وتعالى، وأسلم وجهه له، ولم يكن من المشركين، وأصر أن يذهب لأبيه ويتحدث معه، فلما ذهب إليه وجده يصلي ويتعبد للأصنام التي صنعها، فانتظره إبراهيم حتى انتهى.
مواجهة إبراهيم مع أبيه
قال إبراهيم لأبيه يا أبتي لماذا تعبد تلك الأصنام التي لا تنفعك بشيء؛ فهي لا تسمع ولا ترى، وأخبره أن الله موجود وهو لا يراه، وأن عليه أن يتبعه، فهذه الصراط المستقيم.
صاح الأب وغضب غضبًا شديدًا على إبراهيم، ذلك الفتى الصغير الذي تمرد على ما تعودوا على صنعه وعبادته، فأخبره إبراهيم أن الشيطان هو الذي يسول له ولقومه الضلال، والكفر، وعبادة الأصنام، وإذا استمر في العصيان فسوف يكون مصيره النار.
توعد والد إبراهيم ابنه بالضرب، والقتل، والرجم إذا لم يكف عن الهجوم على الأصنام، والدعوة إلى الله، ثم طرده من المنزل، وقال إنه لا يريد رؤيته ثانيةً؛ فقد خذله وعصى أوامره وخرج عن إتباعه.
لما وجد إبراهيم أنه لا فائدة من أبيه، وأنه لن يستجيب له (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا).
قصة إبراهيم والنمرود
ذهب إبراهيم إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وترك عبادة تلك الأصنام، تحدث إبراهيم إلى الملك وكان يسمى النمرود، ومن حوله أتباعه وخدمه، وأخبره أن التماثيل التي يعبدونها لا تضر ولا تنفع؛ فهي من صنع أيديهم، فكيف تكون آلهة؟
فلما أجابه النمرود أن ذلك ما وجدوا عليه آبائهم وأجدادهم القدماء، قال لهم، أن تلك العادات التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم، ما هي إلا ضلال مبين.
غضب قوم إبراهيم وصاحوا به أنه يسخر منهم، ومن آلهتهم، ويلعب بهم فرد عليهم (قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).
قال إبراهيم لقومه أن الله هو من يحيى الناس ويميتهم، فقال الحاكم أنه قادر على إحياء الناس وقتلهم؛ فأمر النمرود بالإتيان برجلين من المدينة، فلما حضرا أمامه أمر بقتل أحدهم، وترك الآخر ثم توجه إلى إبراهيم وقال أرأيت؟ لقد أمت واحدًا وأحييت واحدًا.
فقد ظن النمرود أنه عندما أمر رجاله، أن يقتلوا شخصًا ويعفوا عن الآخر، فبذلك يكون أمات واحدًا، وأحيي الآخر، ولم يدرك أن ذلك كان بمشيئة الله أولًا، ولولا أن الله شاء بذلك لم يكن ليحدث.
حينها قال إبراهيم إن الله هو القادر على إتيان الشمس من المشرق، وغروبها من المغرب، فإذا كان النمرود على حق، فليفعل عكس ذلك وليأتي بالشمس من المغرب، فبُهتت حجة نمرود، ولم يستطع الرد على إبراهيم.
ذكر الله سبحانه وتعالي قصة النمرود في قرآنه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
فلما صد النمرود وأتباعه رسالة الله إليه أمر الله بإهلاكهم فأرسل عليهم الذباب والبعوض كالجيوش التي انتشرت سريعًا حتى حجبت عنهم ضوء الشمس وبدأت تأكل في لحومهم وتمرضهم.
كما سلط الله ذبابة دخلت في أنف النمرود، فعذبته عذابًا شديدًا لفترة طويلة حتى مات؛ وبذلك يخبره الله أنه غير قادر حتى على إنقاذ نفسه من ذبابة، فها هو النمرود الذي كان يدعي الألوهية، وإحياء الموتى من قبل.
إبراهيم يحطم الأصنام
خطط إبراهيم أمرًا في نفسه، وعزم على تنفيذه، وكان هناك احتفالًا، يقام في مكان ما بالمدينة، انتظر إبراهيم حتى تجمع قومه، وذهبوا إلى الاحتفال، وتوجه إلى المعابد التي توجد بها التماثيل والأصنام.
نظر إبراهيم إلى التماثيل المصنوعة من الحجارة، ونظر إلى القربان والطعام الموضع أمامها، ثم وجه حديثه إليها وقال ساخرًا: ما لكم لا تأكلون!! وما لكم لا تنطقون!!.
ثم حمل فأسه، وأخذ يكسر تلك الأصنام وحولها إلى قطع أحجار صغيرة، ما عدا كبير الأصنام، حيث تركه سليمًا، لعل ذلك يُرجع قومه إلى صوابهم، ويدركون أنهم في ضلال كبير، بعبادتهم لتلك الأصنام التي لا حياة بها.
جاء قوم إبراهيم، ورأوا ما حدث لأصنامهم، فأعمى الضلال والكفر قلوبهم؛ فلم يتساءلوا كيف أنها آلهة، ولم تدافع عن نفسها؟! وكيف أن كبير تلك الآلهة لم يدافع عنهم وهو في نظرهم إله؟!
غضب قوم إبراهيم أشد الغضب وأخذوا يتساءلون، من الذي تجرأ على آلهتهم من الذي فعل بها هذا؟ وتذكروا ما كان إبراهيم يدعوهم إليه، فأدركوا أن ذلك من صنع إبراهيم؛ فطلبوا استدعائه فورًا.
سأل قوم إبراهيم، هل هو من فعل ذلك الفعل الشنيع بآلهتهم، فأجابهم إبراهيم، أن من فعل هو كبير الأصنام، بدليل أنه ما زال سليمًا، فليسألوه إن كان قادرًا على الكلام والنطق (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)، رد عليه القوم قائلين، كيف نسأله وهو تمثال لا ينطق ولا يتكلم.
حينئذ قال إبراهيم أرأيتم تلك التماثيل التي لا تنطق، أنت تعبدونها فأين عقولكم! عندئذ تراجع قوم إبراهيم قليلاً وأدركوا ضلالهم.
ولكن سرعان ما عاد كبريائهم فأمر القوم بإحراق إبراهيم (قَالُواْ حَرّقُوهُ وَانصُرُوَاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)، فأمر الحاكم، بإلقاء القبض على إبراهيم، وإحضاره ليتم حرقه جزاءًا لما فعله بآلهتهم.
محاولة القوم إحراق إبراهيم
بدأ الاستعداد لحرق إبراهيم، وجاء الناس من جميع البلاد المجاورة؛ لمشاهدة عقاب من تطاول على الآلهة، وسخر منها، وقام قوم إبراهيم بحفر حفرة واسعة جدًا، ثم أخذوا يملئونها بالأخشاب والوقود؛ حتى تكون النار هائلة.
ولم يستطيع القوم إلقاء إبراهيم في النار لشدة حرارتها واشتعال لهيبها؛ فأحضروا آلة كبيرة جدًا تسمى المنجنيق، ووضعوا إبراهيم فيها، وحينها ظهر جبريل على إبراهيم وسأله، إذا كان يطلب شيئًا فرد عليه إبراهيم بلا.
تم إلقاء إبراهيم في النار، وصاح الناس ساخرين به، فهو الذي كان يحذرهم من دخول النار، بسبب كفرهم وضلالهم، ها هو من يدخل النار، ولكن جلالة وقدرة الله فوق كل شيء، فقد أمر الله النار أن تكون بردًا وسلامًا على إبراهيم (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).

أصبحت النار لطيفة على إبراهيم فهي تبدو من الخارج مشتعلة، وذات ألسنة لهب مخيفة، بينما هي في الداخل كالجنة، يسبح فيها إبراهيم ربه يذكره.
انتظر قوم إبراهيم طويلا حتى تنطفئ النار، حتى ظنوا أنها لن تنطفئ بسبب طول المدة، وحينما انطفأت أخيرًا صُعق قوم إبراهيم، عندما وجدوه يخرج سليمًا منها.
خاف قوم إبراهيم منه، وظنوا أنه شيطانًا لا تحرقه النار، ولا تؤثر به وفروا بعيدًا عنه، ولكن الله ألحقهم بالعذاب والهلاك، فهلكوا إلا إبراهيم الذي نجاه الله من القوم الكافرين.
أصبحت نجاة إبراهيم من النيران، وعدم إحراق جسده حتى بعد إلقائه بها حديث القوم في كل مكان، واستمر إبراهيم في الدعوة لعبادة الله في جميع الأنحاء، ولم ييأس، ولكن للأسف لم يستجب له أحدًا، فيما عدا رجل وامرأة.
كانت المرأة تسمى سارة، وكان الرجل لوطًا، هما اللذان آمنا بإبراهيم وبدعوته إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام والملوك، أما أبيه فلم يستجب له نهائيًا، بل تبرأ منه وطرده، وها نحن نرى مثالًا آخر لقصة نوح عليه السلام مع أبيه.
فلم يستطع نوح أن ينقذ أبنه من الكفر والضلال وحاول كثيرًا بدون فائدة حتى أهلكه الله في الطوفان، كذلك والد إبراهيم لم يستجب لدعوة ابنه له واستمر على كفره وعصيانه حتى أهلكه الله.
إبراهيم وزوجته سارة
قرر إبراهيم مغادرة بلده والهجرة إلى بلد أخرى، وكان قد تزوج من السيدة سارة، فأخذها معه، وسافرا إلى فلسطين ورحل معهما لوط، ذلك الذي آمن معه من قومه.
كان هناك حاكما لمصر في ذلك الوقت، وكان قد سمع عن السيدة سارة والتي اشتهرت بجمالها الشديد، فأمر بإحضارها مع الرجل الذي يصاحبها، ليسأله من يكون إبراهيم، فإذا كان زوجها فسوف يقتله.
عندما علم إبراهيم بذلك، اتفق أن يقول للملك أن السيدة سارة أخته حتى لا يقتله، عندما عرفت السيدة سارة ما في نية ذلك الحاكم، دعت الله أن يحفظها من السوء، وأنها آمنت بالله ورسوله، وتسأله ألا يسلط عليها ذلك الحاكم الكافر.
وبالفعل استجاب الله لدعائها، وعندما حاول الملك لمسها، أصيب بالشلل وأخذ يصيح، فخافت السيدة سارة، من أن يقتلها خدامه وأعوانه، فدعت الله أن يتركه ويرفع عنه العقاب حتى تنجو منه.
لما رفع الله عن الملك البلاء، لم يتب من فعلته الشنيعة، بل هجم عليها ثانيةً؛ فأصابه الشلل ثانيةً، فطلب من السيدة سارة أن تفك شلله؛ فدعت الله أن يرفع عنه العقاب ليتركها وشأنها؛ فاستجاب الله لها.
وللمرة الثالثة عاد الحاكم الكافر للهجوم على سارة، ومحاولة التعدي عليها؛ فنجاها الله منه بشل أطرافه، فطلب منها الملك أن تفك قيوده، ووعدها أنها ستكون آخر مرة، فدعت الله أن يرفع عنه الشلل؛ فاستجاب الله لها.
حينها تركها الملك، وقال لأتباعه إنما أتيتموني بشيطانه، وليست إنسانة؛ خذوها بعيدًا عني؛ فإني في غنى عنها، وقام بإعطائها خادمة تسمى هاجر، التي تزوجت فيما بعد من سيدنا إبراهيم.
إبراهيم يتزوج هاجر
كانت السيدة سارة عقيم لا تلد، وكان إبراهيم قد كبر في السن، وابيض شعره، وأنفق العمر الطويل في الدعوة إلى الله عز وجل؛ ففكرت السيدة سارة، في أن تزوج هاجر من زوجها إبراهيم، حتى تنجب له ابنًا بدلا من أن يعيشا وحيدين.
لما عرضت سارة على إبراهيم تلك الفكرة، قال لها أن الغيرة ستصيبها عندما يتزوج من هاجر، وخاصة إذا أنجبت ولدًا، ولكن السيدة سارة أصرّت عليه، وأخبرته أنها ستفرح لذلك، ولن تصيبها الغيرة.
تبشير إبراهيم وسارة بإسحاق
تزوج إبراهيم من هاجر، وذات ليلة كان إبراهيم جالسًا أمام الخيمة، التي يسكن فيها مع السيدة سارة، فإذا بقوم قادمين عليه، يتكونون من ثلاثة رجال شباب، فألقوا عليه السلام؛ رد عليهم إبراهيم السلام، وأكرمهم وأمر بذبح عجلًا لهم، ليأكلوه فهم ضيوفه.
حينما قدم لهم إبراهيم الطعام، لم يأكل الشبان أي شيئًا من الطعام المقدم؛ فخاف إبراهيم، وظن أنهم لصوصًا جاءوا لسرقة بيته، أو قتله، أو إيذاء زوجته، فسألهم عن حقيقتهم ولماذا جاءوا إليه؟
أجاب الضيوف أنهم ملائكة من السماء، وقد أمرهم الله سبحانه وتعالى أن يبشروا إبراهيم بغلامٍ، فتعجب إبراهيم منهم، وظن أنهم يسخرون منه، فقال لهم كيف ذلك؟! وقد أصبحت شيخًا كبيرًا في السن، قالوا له هذه إرادة الله.
فلما سمعت السيدة سارة ذلك الكلام؛ ضحكت وتعجبت من ذلك الحديث، فتوجهوا لها بالكلام، أنها ستلد أيضا غلام اسمه إسحاق، صُعقت السيدة سارة وتعجبت وقالت يا ويلتي كيف ألد، وأنا عاقر وزوجي رجلٌ كبير في السن، أيعقل هذا الكلام!!
أكد الملائكة على إبراهيم وزوجته سارة أن الله سيرزقهما بغلام، رغم العوائق التي يقابلونها، وسيكون ذلك الغلام نبيًا ذات يوم، ثم قاموا من مجلسهم، فسألهم إبراهيم إلى أين يذهبون بعد ذلك، فأخبروه أنهم ذاهبون إلى قوم لوط.
كان لوط ابن أخ إبراهيم وكان قومه كافرين، فقالت الملائكة لإبراهيم أنهم ذاهبون لإهلاك أولئك الكافرين، ونجاة المؤمنين الموحدين بالله تعالي، وذلك سيكون في الصباح، فهو ليس ببعيد.
كانت السيدة هاجر زوجة إبراهيم الثانية حاملًا، ثم وضعت طفلًا سماه إبراهيم إسماعيل؛ فحمله إبراهيم بيديه وأخذه إلى السيدة سارة، ليريها الطفل، فلما رأته شعرت بالغيرة الشديدة.
لما شعرت السيدة سارة بالغيرة على زوجها من الطفل ومن السيدة هاجر، طلبت منه أن يرحل هو وزوجته هاجر بعيدًا عن بيتها؛ فهي لا تتحمل أن تنظر إلى هاجر الجارية، وهي زوجة لإبراهيم، وأمًا لابنه.
هاجر وإسماعيل وماء زمزم
أخذ إبراهيم زوجته هاجر وابنه الصغير إسماعيل، وسار بهم في الصحراء، حتى وصل إلى وادي موجود في الجزيرة العربية، ولكن ليس به ماء أو زرع؛ فيبدو كالصحراء الجرداء، فبدأ بإنشاء الخيام لزوجته، ثم ترك لزوجته وابنه قربة ماء، وبعض الطعام.
سألته هاجر هل سيتركهما في تلك الصحراء ويرحل؟ هل أمره الله بذلك؟ فأجابها نعم ذلك أمر الله له، فاستجابت له واثقة أن الله لن يضيعها هي وابنها إسماعيل.
تركهم إبراهيم ودعا ربه (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
عاد إبراهيم إلى داره، حيث تسكن زوجته سارة، وكما بشرتهم الملائكة، فقد رزقت سارة بولدٍ أسماه إبراهيم إسحاق، وفرحت السيدة سارة بذلك فرحًا شديدًا؛ فقد عوضها الله، ورزقها بالذرية التي كانت تتمناها.
مكثت هاجر مع ابنها إسماعيل الرضيع في الصحراء عدة أيام، وكان الجو شديد الحرارة، ونفذ الماء الذي تركه لهم إبراهيم، كما جف لبن الأم، وأصبح إسماعيل الرضيع عطشانًا جائعًا.
أخذت هاجر تفكر فيما تفعله، فقررت الخروج في الصحراء للبحث عن مكان للماء لتشرب، وتسقي صغيرها، كانت الجو حارًا، والشمس ملتهبة، ولكن لم يكن لدى السيدة هاجر بديلًا، أو حلاً سوى ذلك.
لم تستطع السيدة هاجر الرجوع إلى صغيرها، بدون ماء فأخذت تبحث وتبحث في الصحاري، حتى وصلت إلى الصفا والمروة، وهما جبلان كبيران بينهما وادي.
صعدت السيدة هاجر جبل الصفا، وأخذت تبحث عن ماء فلم تجد، فنزلت إلى الوادي، ثم صعدت على جبل المروة، وهي تبحث في كل مكان أعلى الجبل، وهكذا أخذت تصعد ما بين جبل الصفا والمروة سبعة مرات.
كانت تلك الحكمة من صعود الحجاج، وسعيهم في الصفا والمروة سبعة مرات، كما فعلت السيدة هاجر؛ من أجل الحصول على ماء لصغيرها الرضيع.
نال منها التعب أقصاه، وجف ريقها، ولم تستطع السعي بين الجبلين مرة أخرى، وذهبت إلى خيمتها حيث يكون صغيرها، وخشيت أن تعود فتجده ميتًا من الجوع والعطش.
كان الرضيع الصغير يضرب الأرض برجليه من العطش، وبينما هو يفعل ذلك إذ خرج الماء من الأرض من تحت رجليه، فرحت الأم فرحًا شديدًا؛ فشربت وسقت ابنها الصغير، وصدق ظنها في الله؛ فها هو الله لم يضيعهم، بل أنقذهم في أصعب الأوقات.
انتشرت الأخبار في الأماكن المجاورة لهاجر، أن هناك بئرًا في الصحراء فأقبل الناس من جميع الجهات، وساد العمران في المكان، وسمى ذلك البئر بئر زمزم، وجعل الله من مائه شفاءً للأمراض؛ تباركًا بالسيدة هاجر وسيدنا إسماعيل.
وحين جاء إبراهيم إلى المكان؛ ليطمئن على هاجر وابنه إسماعيل، لم يعرف المكان حيث وجد أناسًا كثيرة وعمران؛ فظن انه قد ضل الطريق، ولكن عندما أخبره الناس أن هاجر تسكن هنا مع إسماعيل، ذهب إليها، وضمها إليه، وبكى فرحة لاستجابة دعوته.
ثم أصبح إبراهيم يأتي كل عام لزيارة هاجر وإسماعيل، وبدأ إسماعيل يكبر شيئًا فشيئًا، حتى أصبح فتى يافعًا مؤمنًا بالله، لا يعبد الأصنام، فقد علمه إبراهيم منذ صغره أن يعبد الله، ويصلي له.
الله يأمر إبراهيم بذبح إسماعيل
ذات ليلة كان إبراهيم يحلم أثناء نومه، فسمع هاتفًا في المنام يقول له: إن الله يأمرك أن تذبح ابنك إسماعيل؛ فاستيقظ إبراهيم من نومه، وقال يا رب إن كنت تأمرني بذبح إسماعيل؛ فسوف أطيعك، ثم عاد للنوم.
للمرة الثانية يسمع إبراهيم النداء في المنام، يقول له: إن الله يأمرك بذبح ابنك إسماعيل، فاستيقظ مرة أخرى، وقام بصلاة ركعتين لله يسأل الله فيهما أن يدله على الحق، ثم عاد للنوم وللمرة الثالثة يسمع نفس النداء.
حينها استيقظ إبراهيم، وعلم أنها رؤية، وأن الله يأمره بذبح ابنه إسماعيل، قرر إبراهيم في قرارة نفسه، أن يلبي نداء ربه، أي قلب كهذا؟! أي أب يستطيع أن يذبح ابنه لرؤية رآها؟! إنه إبراهيم خليل الرحمن الذي لا يعصي الله في أمرٍ أبدًا.
ذهب إبراهيم لابنه إسماعيل، وقال له إني رأيت رؤيا يأمرني فيها الله بذبحك، فرد عليه إسماعيل (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
بدأ إسماعيل إجراءات ذبح ابنه؛ فربط يديه بالحبل خلف ظهره، وجعل عينيه تنظر للأرض، حتى لا يرى عيني ابنه وهو يذبحه، فيرق قلبه، ولا يستطيع إكمال ما أمره الله به، وحين وضع السكين على رقبة ابنه استعدادًا لذبحه وتنفيذًا لأمر الله، جاءه هاتف (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا).
نظر إبراهيم فإذا بملك ينزل من السماء، يحمل كبشًا كبيرًا، وإذا بالملك يأمره ليذبح ذلك الكبش، بدلا من إسماعيل، فقد فدى الله إسماعيل بذلك الكبش، ليعيش ويكون إبراهيم قد نفذ أوامر الله، ولم يعصي أمره.

فرح إبراهيم لذلك كثيرا وحمد الله كثيرًا، وفك ابنه وأطلق سراحه، ثم أمسك بالكبش وقام بذبحه، ومن هنا صار ذلك اليوم عيدًا للمسلمين وجاءت تضحية عيد الأضحى بالكباش اقتداءً بما فعله إبراهيم، وشكرًا لله على نجاة إسماعيل من الذبح.
بناء الكعبة
وبعد فترة ليست بالكبيرة، أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم ببناء الكعبة بمساعدة ابنه إسماعيل؛ فلم يتكاسل إبراهيم، بل استجاب فورًا لأمر ربه، وأخبر ابنه الذي أطاعه، وبدءا في الاستعداد لبناء بيت المسلمين.
أخذ إبراهيم وابنه يؤسسان حجر الكعبة، وكان إبراهيم يبني وابنه إسماعيل يقوم بتوصيل الحجر له، وحين شعر إبراهيم بالتعب، أمر إسماعيل بإحضار حجرًا؛ كي يضعه تحته ليستطيع إكمال بناء الكعبة.
أخذ إسماعيل يبحث حتى وجد حجرًا أسودًا، وأخذه لأبيه فوضعه إبراهيم تحته، وأكمل بناء الكعبة، حتى أصبحت بيت الله الحرام، وما زال الحجر الأسود موضوع في مكانه إلى اليوم.

وقد ذكر القرآن الكريم في آياته، كيف كان إبراهيم يبنى الكعبة (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وبعد أن انتهى إبراهيم وابنه من بناء البيت الحرام؛ أذن في الناس ليحجوا، فأقبلت أفواد الناس من كل مكان، وعلمهم إبراهيم مناسك الحج، كما علمه الله وأمره، وأصبح الحج لبيت الله الحرام فريضة على كل مسلم ومسلمة قادرين.
ها نحن ننتهي من قصة إبراهيم مع قصة ابنه إسماعيل، وكيف نجح إبراهيم في اختبار الله له، وكيف نجاه الله ونجي ابنه بالكبش، وكيف كان الابن مطيعًا لوالده ولأوامر الله وكان حبه لله فوق أي شيء حتى حياته، وكيف استعان بالصبر في مواجهة البلاء.
لم يترك الله إبراهيم وابنه يتعذبان بل أثابهما لإطاعة أوامره، ورفع عنهما البلاء، وجعل يوم فداء إسماعيل عيدًا للمسلمين، يحتفلون به كل عام ويذبحون الأضاحي، ويوزعون لحومها على الفقراء والمساكين، ويؤدون فريضة الحج.
للمزيد: https://www.magltk.com/abraham-story/
تعليقات
إرسال تعليق